الخيارات الفدراليّة وغيرها من الوسائل
للتّوفيق بين المجموعات المتنوّعة
Federal Options and Other Means
of Accommodating Diversity
أعدّ البحث طاقم عمل منتدى الاتّحادات الفدراليّة، أوتاوا، كندا
By members of the staff of the Forum of Federations, Ottawa, Canada
منتدى الاتّحادات الفدراليّة
Forum of Federations
700 -325 Dalhousie, Ottawa, Ontario K1N 7G2 Canada
الخيارات الفدراليّة وغيرها من الوسائل
للتّوفيق بين المجموعات المتنوّعة
Federal Options and Other Means
of Accommodating Diversity
فهرس المحتويات رقم الصفحات
1- المقدّمة
2- التّنوع الإثني الثّقافي
3- أنواع الوسائل
1.3- لغات الأقليّات والحقوق الثّقافية
2.3- المشاركة الاتّحادية في السّلطة
3.3- الاستيعاب والإقصاء والدّمج
4.3- تفويض السّلطة
5.3- الفدراليّة
4- الفدرالية بالتّفصيل
1.4- الدّساتير الفدراليّة
2.4- الميزات الأساسيّة وتقسيم الأدوار والمسؤوليّات
3.4- التّمثيل في المركز
4.4- ضمان الحقوق
5.4- حالة اللاتناسق
6.4- الفدراليّة غير الإقليميّة
7.4- الانفصاليّة
8.4- غياب التّغييرات الأحادية الجانب، وتواجد "الحكم المرجع"
9.4- تضافر جهود الطّبقات الحكومية
10.4- فرض الضّرائب والإنفاق العام
5- الخاتمة مع بعض الأسئلة المتعلّقة بالموضوع
1- المقدّمة Introduction
يتوجّه هذا البحث إلى الشّعوب المشاركة في ما أصبح يعرف بنشاطات "بناء الدّولة" في سائر أنحاء العالم، خاصّةً في حالات ما بعد النّزاعات. وهو يرمي إلى توفير بعض الأمثلة العمليّة، والمفسّرة بوضوح، عن الأساليب والوسائل المعتمدة للاعتراف بمجموعتين قوميّتين، أو أكثر، تعيشان في عقر دولةٍ واحدة، وللتّوفيق بينهما.
لا يمكن تطبيق مخطّطٍ واحد على الحالات جميعها. من هنا، فقد بذلنا جهدنا في هذا البحث لوصف بعض الخصائص الأساسيّة التي تميّز نماذج الحكم، لا سيّما النّماذج الفدرالية. ليست الفدراليّة بالإجراء الوحيد المتاح ردّاً على التّنوّع السّكاني، لذا غالباً ما ترفقها البلدان، حتّى تلك التي تعتمدها كنظامٍ، بغيرها من التّدابير كقوانين حقوق الإنسان. لكن لا ينبغي الإغفال عن أنّ الفدرالية، بصفتها حلاً بنيويّاً ينطبق على الجميع، تقدّم سلسلةً مفيدة من الخيارات والتّجارب التي لا تدخل في نطاق المفاهيم أو المعارف السّائدة.
نحن لا نهدف إلى هداية الدّول للفدرالية، بل إلى مجرّد شرحها. فلا يخفى على أحدٍ أنّ مصطلح "الفدراليّة" بحدّ ذاته مثيرٌ للجدل. ولعلّ ذلك مردّه إساءة فهمه إلى حدّ ما. ففي العديد من الأمكنة، تعتبر "الفدراليّة" الخطوة الأولى التي تسبق الانفصال؛ وفي الواقع، لقد نشأت فعلاً وما تزال تنشأ حركاتٌ انفصاليّة في عددٍ من الدّول الفدراليّة، بما فيها كندا.
حين تقترح الجنسيّات الأقليّة، في البلدان التي اجتازت نزاعاً، بنيةً فدراليّة كحلٍّ سياسيّ، يفترض أعضاء الأكثريّة أحياناً أنّ الفدرالية لا تفعل سوى تمهيد الطّريق نحو تجزيء البلاد. وتثبت تجربة الفدراليّة العمليّة أنّ الخوف غير قائم على أساسٍ ثابت. فالحلّ الفدراليّ لا يشجّع على دافع الانفصال، بقدر ما يحتويه. وتعبيراً عن ذلك بأوضح المعاني والمصطلحات، نشير إلى أنّ نظام القوانين الدّستوريّة والممارسات الدّيمقراطيّة يتيح لمن يسعى إلى المدافعة عن الانفصال أن يفعل ذلك بطريقةٍ سلميّة وخالية من العنف، عوضاً عن اللّجوء إلى المقاومة المسلّحة. وقد أثبتت تجربة الدّول الفدراليّة حتّى اليوم -لا سيّما تلك التي تملك تقليداً ديمقراطيّاً عريقاً- أنّ الانفصالات لم تحدث قطّ، بالرّغم من الاستفتاءات الشّعبيّة وغيرها من أشكال المدافعة العامة عن الانفصال. كما أثبتت الفدراليّة الدّيمقراطيّة أنّها مرنة بما فيه الكفاية لتتعامل والتّحدي الذي يمثّله الانفصال.
سنتطرّق أيضاً إلى وسائل غير الفدراليّة للتّعامل مع واقع التّنوّع. وتتضمّن هذه الوسائل السياسات الهادفة لاستيعاب العناصر المغايرة ضمن ثقافة الأكثريّة، وشروط الحقوق الإنسانيّة والثّقافية، والتّدابير الرّسمية وغير الرّسمية من أجل ضمان مكانٍ للمجموعات المختلفة على طاولة اتّخاذ القرارات الوطنية. وغالباً ما ترافق هذه التّدابير الفدراليّةَ، لا سيّما حيث تُصمَّم هذه الأخيرة كوسيلةٍ للاعتراف بالمجموعات المتنوّعة ومحاولة التّوفيق بينها.
يشدّد استعمال تركيبٍ معيّن من الوسائل والاستراتيجيّات على الحاجة إلى الإبداع، في ما يتعلّق بتصميم الإجراءات التي تناسب أوضاعاً محدّدة. فعلى أرض الواقع، لن يجد الأشخاص المشاركون في الجهود الفعليّة لبناء الدّولة أيّ حلولٍ معدّة سلفاً. من هنا، يتحتّم عليهم التّفكير في خياراتهم على نطاقٍ واسع، ودراسة مجموعة كبيرة من التّقنيّات والأنظمة والممارسات، من أجل إنشاء البنى المناسبة لأيّ وضعٍ محدّد. فبلجيكا، على سبيل المثال، تملك إحدى أكثر البنى الفدراليّة غرابةً. فهي تجمع بين حكومات الوحدات الإقليمية المكوّنة، وحكومات الجماعات اللّغويّة غير الإقليميّة، بشكلٍ جزئيّ. قد يبدو هذا النّظام معقّداً إلى حدّ مفرط على الورق؛ غير أنّه يناسب الوضع الإثنيّ-الثّقافيّ الخاصّ ببلجيكا. في هذا الإطار، ذكر أحد الصّحافيّين البلجيكيّين، في معرض شرحه نظام وطنه الفدراليّ، لأشخاصٍ سريلنكيّين يفحصون الفدراليّة سعياً لتطبيقها في بلادهم: "تعمل الفدراليّة البلجيكيّة على نحوٍ جيّد جدّاً، باستثناء على الصّعيد النظريّ!" وأضاف أنّ الأمثولة الكبرى التي يمكن استخلاصها من التّجربة الفدرالية البلجيكيّة هي تجربة "توسيع الآفاق".
سنحاول، في ما يلي، ذكر ما يمكن من الأمثلة الملموسة. وتكشف هذه الأمثلة عن أهميّتها، فهي تقدّم شكلاً ملموساً للنّماذج البنيوية. هدفنا في هذه الحالة هو توفير المعلومات المفيدة التي يمكن استيعابها بسهولة. لهذه الغاية، أوردنا ثبتاً بالمراجع لمن يودّ أن يتوغّل في قراءاته. غير أنّنا لا ندّعي أنّ ما وصفناه في هذا البحث شاملٌ من أيّة ناحية من النّواحي، بل نتصوّر أن يتمّ استعمال البحث بالتّزامن مع مراجع أخرى.
هذا البحث هو من نتاج منتدى الاتّحادات الفدراليّة، وهي منظّمة دوليّة مقرّها في كندا، تعمل كشبكة عالمية حول الفدراليّة. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المنتدى ليس بمعهد أبحاثٍ أكاديميّ. فهو لا يصدر المنشورات إلا بهدف توفير المعلومات الجاهزة والسّهلة المنال بالنّسبة لأصحاب المهن والعاملين في المجتمع المدني، وآخرين غير متخصّصين في مجالٍ ولا متابعين لدراسةٍ أكاديميّة بالضّرورة. وتنطبق هذه القاعدة العامة على هذا البحث. فلا يزعم المؤلّفون أنّهم قد كشفوا مسبقاً عن معلوماتٍ مجهولة، ولا يدّعون أنّهم يقترحون نظريّاتٍ جديدة. كما يأمل المنتدى أن يكون قد نجح في تقديم وصفٍ واضح وواقعيّ، يفيد كلّ من يبدي اهتماماً مباشراً وفعليّاً في هذه المسائل.
2- التّنوّع الإثني الثّقافي Ethnocultural Diversity
تشكّل العديد من الدّول الكبيرة موطناً لمجموعاتٍ إثنية ثقافية، أو "قوميّة" متنوّعة. في بعض الحالات، تتركّز هذه المجموعات ضمن مناطق جغرافية مستقّلة. تلك هي الحالة في إسبانيا أو بلجيكا أو ماليزيا.
أمّا في الحالات الأخرى، فليست المجموعات مركّزة جغرافياً. فيعيش شعب سريلنكا المسلم، على سبيل المثال، مشتّتاً في سائر أنحاء البلد. ومع أنّ العديد من المسلمين يعتبرون أنّ منطقةً واحدة هي موطنهم التّاريخيّ، إلا أنّهم لا يشكّلون أكثريّةً فيها؛ ويعيش معظمهم في أنحاء أخرى من سريلنكا. كذلك الأمر، ليست الأقليّة السويديّة في فنلندا، والأقليّة المجريّة في سلوفاكيا، والأقليّة السلوفاكية في المجر، والشّعوب الرّومانيّة الموزّعة عبر أوروبا، بمجموعاتٍ مركّزة إقليمياً. ونسجاً على المنوال نفسه، يملك بعض سكّان البلاد الأصليّين في الأميركيتين وأستراليا ما يسمّى "بقاعدةٍ أرضيّة"، بعكس البعض الآخر الذي يعيش متوزّعاً بين السّكان عامةً.
كما يشهد التّوازن السّكاني تفاوتاً عظيماً، رغم أنّه نادراً ما تكون المجموعات المختلفة متساوية تماماً ضمن السّكان. ففي كندا، يشكّل النّاطقون باللغة الانكليزية ثلاثة أضعاف النّاطقين باللغة الفرنسية تقريباً. أمّا في بلجيكا، فيبلغ عدد النّاطقين بالفلمنكية ضعف النّاطقين بالفرنسية. في هذه الحالات المماثلة وغيرها، تتوفّر درجةٌ من التّوازن بين المجموعات الأساسية التي تشكّل بنية المجتمع، ممّا يؤدّي إلى إنشاء المؤسّسات السياسيّة التي تعكس هذا التّوازن. لكنّ بعض الحالات الآخر يشمل أكثريّةً سكّانية واحدة، فضلاً على أقليّاتٍ إثنية أو قوميّة أصغر عدداً بكثير. في ظلّ هذه الظّروف، تواجه الشّعوب الصّغيرة أحياناً صعوبةً في التّأكيد على لغتها، وحقوقها الثّقافية والسياسيّة. وقد كانت هذه حالة السّكان الأصليّين حتّى فترةٍ مؤخّرة، كشعوب السّامي في اسكندنافيا، والسّكان الأصليين في كندا.
تمثّل الهند نموذجاً معقّداً عن التّنوّع، مع وجود مجموعاتٍ كبيرة جدّاً متنوّعة من حيث اللّغة والإثنية (كالنّاطقين بالهندوسيّة، والبنغالية، والتّاميلية إلخ.) بالإضافة إلى مجموعاتٍ صغيرة كثيرة، تعرف أحياناً "بالقبائل". كما تشكّل الصّين موطناً للعديد من اللّغات والأقليّات الإثنية. وتؤمّن كلتا الدّولتين العملاقتين نوعاً من الإجراءات للتّوفيق بين هذه العناصر المتنوّعة، إنّما بطرائق مختلفة جدّاً.
ولا تقلّ الاختلافات من حيث طريقة تعريف الأشخاص بأنفسهم كمجموعةٍ "إثنية" أو "قوميّة". وقد أُنفق الكثير من الحبر، بأقلامٍ اجتماعية علمية واسعة، للكتابة عن مسألة الهويّة الإثنية. غير أنّ هذا البحث ليس بالمرجع المناسب للتّعمق في هذه المسألة. فقد أصبحت هويّة المجموعات المتميّزة واقعاً جليّاً في سائر أنحاء العالم. فتستند هذه الهويّة على اللّغة تارةً، وعلى الدّين طوراً، وعلى التّقاليد الثّقافية المشتركة تارةً أخرى؛ وغالباً على تركيبٍ من هذه العوامل وغيرها. تشكّل العديد من الدّول موطناً لعددٍ وافر من هذه الهويّات –وكلّها تطالب بأن يتمّ الاعتراف بها. من هنا، على قادة المجتمع المدني والسياسي ومستشاريهم أن يتعاملوا مع هذا الواقع الذي يتعذّر اجتنابه. ومن دون التّوغل في مناقشة تحديديّة مطوّلة، نأمل أن يقدّم هذا البحث بعض المعلومات المفيدة لمن تقع هذه المهمّة على عاتقه.
3- أنواع الوسائل Variety of Means
تتعامل الدّول التي تضمّ مجموعات سكّانية متنوّعة مع هذا التّنوّع بأساليب مختلفة.
1.3- لغات الأقليّات والحقوق الثّقافية
تمّول العديد من الدّول إنشاء مدارس رسمية، وتسهّل نوعاً من الوصول إلى الخدمات الحكوميّة بلغات الأقليّات. كما يوفّر البعض منها منشآت إذاعية وتلفزيونية، ويدعم المؤسّسات الاجتماعية والثّقافية التي أقامها من أجل مجموعات الأقليّات الثّقافية. فقد أقدمت السّلطات الصّينية، مثلاً، على تأمين التّعليم الابتدائي والمتوسّط بلغات الأقليّات، من أجل شعبَيْ يوغور وزوانغ، والكوريّين في بعض المناطق، والمونغوليّين.
يعترف البيرو بلغة الكويشا بصفتها لغة الجمهوريّة الرّسمية؛ فيشترط القانون البيروفيّ أن يتمّ تعليمها، إلى جانب الإسبانيّة، في المدارس كلّها. وتضمّ دولٌ أخرى في أميركا اللاتينيّة، مثل البرازيل والباراغواي، بنوداً شرطيّة مشابهة تفرض تعليم اللغات الأصليّة. وتشترط البنود تعليم اللغة السويدية للأقليّة السويدية في فنلندا؛ ونسجاً على المنوال نفسه، تعليم الأقليّة اللّيتوانية في بولندا، والأقليّات السلوفاكية والتشيكية والبولندية والكرواتية والسلوفينية والألمانيّة والرّومانية وعددٍ من المجموعات الأخرى في المجر.
ويمكن أن تتضمّن حقوق أفراد الأقليّات تلقّيهم علومهم كلّها، أو جزءاً منها، بلغتهم الأصليّة؛ والاطّلاع على بعض النّماذج الحكوميّة بلغات الأقليّات (كنماذج الضّريبة أو الإحصاء الرّسمي للسّكان)؛ وحقّ التّفسير في الدّعاوى القضائيّة، وفي بعض الحالات، نوعاً من الاعتراف الإقليمي بلغة الأقليّات في المناطق المحليّة حيث تستعمل على نطاقٍ واسع. فتعرّف فنلندا، مثلاً، ببعض البلديّات على أنّها إمّا ثنائيّة اللغة رسمياً، وإمّا ناطقة بالسويديّة رسمياً.
في العديد من الدّول التي تؤمّن حقوق الأقليّات، تعتبر هذه الحقوق مضمونة قانونيّاً و/أو دستوريّاً. مثلاً، أقرّ المجر عام 1993 قانوناً مفصّلاً يضمن حقوق لغات الأقليّات بالنّسبة للعديد من المجموعات، ويبيّن شروط استعمالها وتقويمها القانونيّ بما هو متوافر لأعضاء مجموعات الأقليّات.
في بعض الحالات، تتعزّز ضمانات حقوق الأقليّات بفضل المعاهدات بين الدّول التي تؤمّن كلٌّ منها معاملةً متساوية لشعب الأخرى.
2،3- المشاركة الاتّحادية في السّلطة
يستخدم بعض علماء الاجتماع هذا المصطلح لوصف التّرتيبات التي تعتمد عليها بنيةٌ سياسيّة، من أجل وضع البنود الشّرطية اللازمة لدمج أعضاء من المجموعات الإثنية أو القوميّة المختلفة في الحكومة المركزيّة، أو نظام الحزب السياسيّ، أو القطاع المدني، إلخ. وغالباً ما يعتمد الخبراء مصطلح "تكييف النّخبة" لتمييز هذا النّوع من التّدابير؛ ممّا يعني أنّ قادة المجموعات يفاوضون على تلك التّرتيبات كي يضمنوا لأنفسهم نصيباً من السّلطة، والوظائف، والفرص التّربويّة، وما شابه ذلك. إلا أنّ ذلك لا يتّسم بطابع الرّسمية في معظم الأحيان. على سبيل المثال، تعتبر مناصب الحكومة المركزيّة في العديد من الدّول التي يصفها الخبراء بالاتّحادية مضمونةً، بحكم العادة، للجماعات القوميّة أو الإثنيّة المختلفة. أمّا في الحالات الأخرى، فتكون هذه التّرتيبات قانونيّة أو دستوريّة. ففي نيوزيلندا، يتمتّع أعضاء مجموعة "ماوري" بمقاعد مضمونة دستوريّاً في البرلمان.
3،3- الاستيعاب والإقصاء والدّمج
تسعى بعض الدّول إلى التّعامل مع وجود الأقليّات من خلال تشجيعها على اعتماد لغة الأكثريّة وثقافتها، أو إكراهها على ذلك. وقد تمّ استخدام هذه المقاربة في الماضي غالباً، في الأميركيّتين، مع سكّان البلاد الأصليّين. لا بل إنّ الأميركيّين والكنديّين لم يتقبّلوا، إلا مؤخّراً نسبياً، أنّ سكّان البلاد الأصليّين في دولتيهما، يملكون حقوقاً ثقافية وتقليديّة وجماعيّة ولغوية. أمّا امتداد هذه الحقوق، فما يزال مسألةً تثير الجدل إلى حدّ كبير.
يُقصد بالاستيعاب فقدان مجموعةٍ معيّنة جزءاً مهمّاً من هويّتها الأصليّة، لا سيّما خلال ظهورها بين العامة. ويدّعي مؤيّدو عمليّة الاستيعاب أحياناً أنّ دوافعهم خيريّة، وتهدف إلى المنفعة العامة. كما يحتجّون أنّه من الضّروريّ على أفراد المجتمع كلّهم أن يتشاركوا في لغةٍ وثقافةٍ عامّتين، كي يشاركوا جميعهم في الحياة الاقتصاديّة والاجتماعية والسياسية بشكلٍ كامل. بالنّظر إلى هذه الطّريقة، يختلف الاستيعاب اختلافاً كبيراً عن سياسات الإقصاء والتّمييز التي يُعتبر نظام التّمييز العنصري في جنوب أفريقيا أبرز مثالٍ عنها.
يبرّر المدافعون عن سياسة الإقصاء (و/أو التّمييز العنصريّ) تفضيلهم هذا استناداً إلى أنّه يتيح لكلّ مجموعةٍ أن تتطوّر، بشكلٍ مستقلّ عن البقيّة. على سبيل المثال، يجادل المدافعون عن التّمييز العنصري في جنوب أفريقيا أنّ السياسة الهادفة إلى تعليم لغة البانتو، للسّكان السّود، كانت ترمي إلى تعزيز الثّقافات المميّزة والفريدة من نوعها، وحمايتها. في المقابل، اشتكى السّود الذين يعيشون في ظلّ سياسية التّمييز العنصري هذه من أنّ النّظام يفرض عليهم مستوىً تعليميّاً أدنى، مشدّداً على لغاتهم ومهملاً اللغة الانكليزيّة، من دون تحضيرهم لكافة الفرص التي يُعتبر التّعليم شرطاً أساسياً بالنّسبة إليها.
لكنّ المفارقة أنّ السكّان الأصليّين في شمال أميركا لطالما طالبوا بخدمة تعليمٍ وخدماتٍ أخرى، تتّخذ شكلاً ثقافياً محدّداً يأخذ لغاتهم وتقاليدهم بعين الاعتبار. إزاء ذلك، كانت السياسة الهادفة إلى الحدّ من الفرص بنظر المجموعة الأولى تُعتبر ضروريّةً لبقاء المجموعة الثّانية ثقافياً. وهذا إجراءٌ مضلّل. فلم يكن سكّان أميركا الشّمالية الأصليّون قد طالبوا بخدماتٍ دنيا تخصّهم بمكانة الطّبقة الثّانية في المجتمع. في هذا السياق، يجادل البعض أنّ وضع السّكان الأصليّين يدعو إلى تطبيق سياسة "المواطن الزّائد"؛ ممّا يستتبع تطبيق حقوق المواطنية كلّها في المجتمع العام، بالإضافة إلى إجراءاتٍ إضافية لتشجيع اللّغات والثقافات والتّقاليد الخاصّة بالسّكان الأصليّين.
تتّجه الأنظار إلى الاستيعاب، والإقصاء المتعمّد خاصّةً، على أنّهما سياستان مخزيتان إلى حدّ كبير، ترتبطان بالإيديولوجيّات العنصريّة التي كانت سائدة في العصور السّابقة. أمّا نحن، فنذكرهما هنا لأنّهما جزءٌ مهمّ من تاريخ السياسات التي تردّ على التّنوّع. فما زال الاستيعاب، على وجه الخصوص، ممارساً بشكلٍ واسع تجاه المهاجرين الوافدين إلى دولةٍ ما. ويفيد الافتراض الاعتياديّ أنّ السكّان الأصليّين في منطقةٍ ما يطالبون بأن يتمّ الاعتراف بهم، أكثر من أولئك الذين وفدوا حديثاً.
قد يبدو دمج المجموعات المتغايرة مضلّلاً أيضاً، شأنه شأن الاستيعاب، إلا أنّ السياستين مختلفتان. فيهدف الدّمج إلى الحرص على مشاركة المجموعات كافةً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسيّة، من دون التّضحية بهويّاتها المتميّزة. ويبصر هذا الإجراء النّور أحياناً من خلال التّرتيبات الاتّحاديّة التي تضمن مشاركة أعضاء من مجموعاتٍ محدّدة في المؤسّسات الوطنيّة. ومن الوسائل الأخرى التي تهدف إلى الدّمج، من غير الاستيعاب، نذكر التّحرّك الإيجابي. وهو عبارة عن سياسة "التّمييز ضدّ البيض" في التّوظيف، وحقّ تلقّي التّعليم، وغير ذلك، لصالح المجموعات المحرومة تاريخيّاً. فيجادل مناصرو التّحرك الإيجابيّ أنّ من عانى التّمييز العنصري النّظامي، في الماضي، يحتاج إلى إجراءٍ يفوق تسوية الفرص وإلغاء التّمييز السّلبي. فهو يحتاج إلى نوعٍ من التّدابير الإيجابيّة التي تتّخذ شكل الحصص النّسبيّة، وتعرف "بوضع الخلافات الإثنية جانباً" وما شابه ذلك، بهدف معادلة تاريخ الإقصاء الطّويل. وتلك سياسةٌ مثيرة للجدل. فهي، في أميركا الشّمالية مثلاً، تُطبَّق مقابل تيّارٍ قويّ من الفردانيّة التّحرريّة الذي يؤيّد تساوي الفرص، لكنّه لا يتّخذ أيّ إجراءاتٍ خاصّة لتقويم علل الماضي. رغم ذلك، يسود التّحرك الإيجابيّ بشكلٍ واسع في أميركا الشماليّة وغيرها من المناطق، لا سيّما الهند.
4،3- تفويض السّلطة
فضّل بعض الدّول أن يتيح تدبيراً مهمّاً من الحكم الذّاتي للكيانات المحليّة التي تشكّل موطناً تاريخياً للشّعوب المتميّزة. فحذت الحكومة البريطانية حذو هذه الخطوة في التّسعينات في ما يتعلّق باسكتلندا وويلز. و"فوّض" ويستمنستر جزءاً كبيراً من سلطاته لجمعيّتي ويلز واسكتلندا التّشريعيتين، مانحاً إيّاهما وضعاً يشبه "الوحدات المكوّنة" في الدّول الفدرالية (المزيد من ذلك أدناه). غير أنّ سياسة تفويض السّلطة تختلف عن الفدرالية في أنّ الكيانات تستمدّ سلطتها المكتسبة من تشريع حكومةٍ مركزيّة، تستطيع بدورها أن تعكس الوضع الرّاهن، من جانبٍ واحد، إن اختارت ذلك. كما سنبيّن لاحقاً، عادةً ما يضمن الدّستور حقوق الوحدات المكوّنة في الدّولة الفدراليّة، مع عدم إمكانيّة الحكومة المركزية تعديل وضع هذه الوحدات. من هنا، فالتّمييز بينهما مهمّ، لا سيّما بالنسبة لمن يفحص خيارات الحكم في الدّول حيث ساد تاريخٌ من النّزاعات والارتيابات بين جماعتين إثنيتين أو أكثر. وقد تسعى المجموعات كلّها إلى الثّقة التي لا تمنحها إيّاها إلا التّرتيبات الدّستوريّة التي يدعمها ويحكمها نظامٌ قضائيّ نزيه. إلا أنّ ترتيبات تفويض السّلطة تفتقر إلى هذا النّوع من الثّقة.
5،3- الفدراليّة
في الدّولة الفدرالية، يتوزّع النّفوذ والسّلطة بين طبقتين حكوميتين أو أكثر. ففي سائر الحالات تقريباً، تكون هذه الطّبقات الحكوميّة محدّدة إقليميّاً. وبحكم القاعدة، تُقسّم الدّولة الفدرالية إلى وحداتٍ مكوّنة إقليمية تملك مسؤوليّاتٍ وسلطاتٍ محدّدة. وتسمّى هذه الوحدات المكوّنة في العديد من الدّول الفدرالية "ولايات". أمّا بقيّة المصطلحات، فهي: مقاطعات وأقاليم وكانتونات وجماعات مستقلة وجمهوريّات. إذاً تبرز في معظم الدّول الفدرالية طبقتان حكوميّتان: 1- طبقة الأعضاء المكوّنة (كالولاية والمقاطعة إلخ.)، 2- والطّبقة الفدرالية (وطنيّة، أو مركزيّة). ولكلّ طبقة أدوار وسلطات محدّدة ومضمونة دستوريّاً. كما تشكّل البلديّات في دولٍ فدراليّة قليلة طبقاتٍ حكوميّة دستوريّاً، تتمتّع بأدوارٍ وسلطاتٍ محدّدة. لا بل إنّ الأمر يمتدّ في الهند حدّ مستوى القرية أو "البنشايات"، بصفتها طبقة حكوميّة.
في العالم اليوم خمس وعشرون دولة فدراليّة تقريباً، تضمّ ما يزيد عن 40% من سكّان العالم. ونحن نقول "حوالى" لأنّ القضايا الدّائرة حول الحدود كثيرة. فيصنّف الخبراء جنوب أفريقيا وإسبانيا، من ناحية، كفدراليتين، إلا أنّ هاتين الدّولتين لم تختارا وصف حالتيهما بهذه التّسمية. من ناحيةٍ أخرى، تصف الإمارات العربيّة المتّحدة والباكستان نفسيهما كدولتين فدراليتين، مع أنّ الخبراء يشكّون في ذلك. ومن بين الدّول الفدراليّة الأهم، نذكر الولايات المتّحدة الأميركيّة، وألمانيا، والهند، ونيجيريا، والبرازيل، وكندا.
غالباً ما يوجز الخبراء الفدراليّة بصفتها تجمع بين الحكم الذّاتي والحكم المشترك، ممّا يفرض أنّ الدّولة الفدراليّة ليست مجرّد تحالفٍ بين كياناتٍ مستقلة. ففي هذه الحالة، عادةً ما نقع على حكومةٍ فدراليّة تتمتّع بما يكفي من السّلطة العظمى كي تعمل في مصلحة الدّولة بأكملها. في الوقت نفسه، لا تستمدّ الوحدات المكوّنة شرعيّتها من الحكومة المركزيّة، بل من الشّعب. وتجدر الإشارة إلى أنّ الطّبقات الحكوميّة كلّها، في الأغلبيّة السّاحقة من الحالات، تتشكّل عن طريق الانتخاب. في بعض الأحيان، يتجادل الخبراء حول مسألة اعتماد الفدراليّة إلى جانب شكلٍ من أشكال الدّيمقراطيّة التّمثيليّة. لذا اختلفت الآراء حول هذا الموضوع. لكن خدمةً لأهداف هذا البحث، لقد افترضنا أنّ المهتمّين بالفدراليّة يسعون، في الوقت نفسه، نحو الحلول الدّيمقراطيّة.
يتّفق الخبراء عادةً على أنّ إحدى مميّزات الفدراليّة الأساسيّة هي الاحتكاك المباشر للطّبقات الحكوميّة كلّها بالشّعب. وحين ترتبط بها الانتخابات والعمليّة الدّيمقراطية أيضاً، فإنّها تضمن الوسيلة الفضلى للتّأكيد على هذا الاحتكاك المباشر. وقد اعتمد بعض البلدان عدداً من الأنظمة غير الدّيمقراطيّة التي تسمّي نفسها فدراليّة، ومن بينها الاتّحاد السّوفياتي. فصحيحٌ أنّ هذه الدّولة كانت تملك شكل الدّولة الفدراليّة ظاهرياً، مع وحداتها المكوّنة العديدة؛ إلا أنّ جهاز الحزب الواحد تفوّق على البنية الفدرالية. فلم تتمتّع الوحدات المكوّنة بتدبيرٍ فعليّ يدلّ على الاستقلاليّة، ولم تستمدّ شرعيّتها من الموافقة الإراديّة للمحكومين. من هنا، حين ألغي الحزب الواحد، انهارت "الفدراليّة". واليوم، يصف باحثون كثر حالات كالاتّحاد السّوفياتي بأنّها "فدراليّات زائفة".
تشكّلت بعض الدّول الفدراليّة، كالولايات المتّحدة الأميركيّة، جرّاء تجمّع كياناتٍ مستقلة سابقاً. أمّا غيرها، كبلجيكا، فنتيجةً لإنشاء الوحدات المكوّنة ممّا كان وحدة وطنية مفردة سابقاً. وفي بعض الحالات الأخرى أيضاً، ككندا أو الهند، فقد حدث مزيجٌ بين حالتي الوحدات المجتمعة والمنشأة حديثاً.
تشكّل الفدراليّة ردّاً على مجموعةٍ متنوّعة من الظّروف، منها التّنوع الإثني الثّقافي أو القومي على سبيل المثال لا الحصر. ومن البواعث الأساسية على الفدرالية نذكر تقريب الحكومة من الشّعب، ومنع أيّة حكومة واحدة من اكتساب سلطةٍ فائضة على المواطنية. كانت تلك هي الأهداف المحدّدة للفدرالية الألمانية ما بعد الحرب العالمية الثّانية، وهي تُشبَّه غالباً بأهداف الفدرالية الهندية والأميركية أيضاً.
من الدّول الفدراليّة ما هو متجانسٌ إثنياً ولغوياً تماماً. أمّا البقيّة التي قد تشكّل موطناً لمجموعة متنوّعة من الإثنيات (كالولايات المتّحدة والبرازيل)، فهي غير منظّمة بطريقةٍ تمنح الاستقلالية والسّلطة لشعوبٍ متميّزة أو مجموعاتٍ قوميّة. فقد تختار هذه الدّول أن تستخدم وسائل أخرى، كتلك المحدّدة سابقاً، كي تتعامل مع تحدّي التنوّع، خاصّةً وأن أنظمتها الفدراليّة غير مصمّمة لهذا الهدف.
صُمّم عددٌ من الدّول الفدرالية كي يعكس حالة مجموعاته السّكانية المتنوّعة، ويمكّنها من التّعبير عن نفسها سياسيّاً. ومن بين هذه الدّول: الهند، وإسبانيا، وأثيوبيا، وجنوب أفريقيا، وبلجيكا، ونيجيريا، وماليزيا، وكندا، وسويسرا. وقد تعود تجارب هذه الدّول مجتمعةً بالفائدة على الشّعوب التي تتصارع وتحدّي بناء ترتيبات الحكم، في حالات التّنوع الشّديد. فما من نموذجٍ واحد يخلو من الشّوائب الملحوظة. من هنا، هذا هو أحد الأسباب الدّافعة إلى فحص مجموعة متنوّعة من النّماذج. بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجّح بتاتاً أن تناسب الفدرالية المطبّقة في دولةٍ ما دولةً أخرى كلّ التّناسب.
لطالما صُمّمت الفدرالية مع أخذ الظّروف المحلّية المحدّدة بعين الاعتبار. فما من دولتين فدراليتين تتشابهان كلّ التّشابه، مع العلم أنّ عدداً من المبادىء والممارسات العامة ينطبق على معظمها. فضلاً على ذلك، حتّى حين تُبنى الحكومة على أساس المبدأ الفدرالي (المكوّن من الحكم المشترك والذّاتي، ومن السّلطة الموزّعة)، فهذه ليست بالطّريقة الوحيدة التي تسمح لدولةٍ بضمان احترام حقوق سائر المجموعات فيها. وتجدر الإشارة إلى أنّ ما يدعوه البعض بالفدراليّة "الإثنية" غالباً ما يترافق بتدابير أخرى، بما فيها حقوق اللغة والتّرتيبات الاتّحاديّة. فيتيح النّظام الفدرالي النّيجيري لكلّ من ولاياته أن يعتمد طابعاً ثقافياً معيّناً. في الوقت نفسه، يسود جهدٌ على مستوى الحكومة الفدراليّة لتمثيل المجموعات كلّها (ترتيب اتّحاديّ). وغالباً ما تتكرّر حالة المجموعات التي تشكّل أكثريّة في بعض المناطق، وأقليّة في أخرى. لذا على الفدرالية المرتبطة بالتّدابير الأخرى أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار في معظم الأحيان.
4- الفدراليّة بالتّفصيل Federalism in Detail
1،4- الدّساتير الفدراليّة
يُطبَّق المبدأ الفدرالي من خلال دستورٍ يحدّد وظائف الحكومة الفدرالية وحكومات الوحدات المكوّنة، وسلطاتها. وتعدّد بعض الدّساتير، كدستور نيجيريا، مناطق الصّلاحيّات المتعلّقة بكلّ طبقةٍ حكوميّة. أمّا بقية الدّساتير، كذاك الذي تعتمده الولايات المتّحدة الأميركيّة، فلا يفعل إلا تعداد مناطق الصّلاحيّة المتعلّقة بالحكومة الفدراليّة، مخلّفاً كلّ مناطق الصّلاحية المتبقيّة للوحدات المكوّنة. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ معظم الاتّحادات الفدراليّة الحديثة تملك سلسلةً مشابهة من السّلطات، فارضةً حدوداً دستوريّة على الحكومات. ففي الدّستورين الهندي والنّيجيري على سبيل المثال، تندرج الوظائف والسّلطات الحكوميّة ضمن بندٍ شرطيّ يتكوّن من اللائحة الفدراليّة (وظائف الحكومة الفدرالية وسلطاتها)، ولائحة الولايات (وظائف حكومة الولاية وسلطاتها)، واللائحة المشتركة بين السّلطتين (وظائف الحكومة الفدرالية وحكومة الولاية وسلطاتهما).
يُعتبر مواطنو الدّول الفدراليّة مواطني الدّولة بأكملها والولاية أو المقاطعة حيث مسقط رأسهم، في آن. ويمكن أن تتميّز كلّ وحدةٍ من الوحدات المكوّنة بطابعها السياسيّ الخاص، إنّما ضمن نطاق الدّستور طبعاً. ولا يعني هذا فقط أنّ مواطني بعض الولايات أو المقاطعات أو غيرها قد يدفعون ضرائب مختلفة عن نظرائهم، بل أنّهم قد يتمتّعون بأنظمةٍ لغوية مختلفة عن بقية الولايات (أو المقاطعات إلخ...) أيضاً. تلك هي الحال في عددٍ من الاتّحادات الفدراليّة المصمَّمة للاعتراف بالتّنوع، ككندا وسويسرا وإسبانيا والهند.
2،4- الميزات الأساسيّة وتقسيم الأدوار والمسؤوليّات
يتّفق معظم الخبراء على أنّ ميزات خمس تقبض على جوهر النّموذج الفدرالي كما يُطبّق في الحالات كافةً فعليّاً، وهي:
1- طبقتان حكوميّتان على الأقل تمارس كلٌّ منهما صلاحيّاتها على مواطنيها مباشرةً؛ وتوزيع رسمي للسّلطتين التّشريعيّة والتّنفيذيّة وتقسيم الموارد بين الطّبقات الحكوميّة، مع تمتّع بعض المناطق بالاستقلاليّة في ما يتعلّق بكلّ طبقة؛
2- بند شرطي لتمثيل آراء المجموعات والمناطق واحترامها ضمن المؤسّسات الفدرالية (المركزية) الواضعة للسّياسات؛
3- دستور خطّي أعلى لا يمكن تعديله من جانبٍ واحد، يتطلّب موافقة الوحدات المكوّنة كلّها أو أكثريّتها؛
4- حَكَم مرجع ليحكم في النّزاعات النّاشئة بين مختلف الطّبقات الحكوميّة؛
5- الآليات والعمليّات لتسهيل العلاقات الحكومية الدّولية في المناطق حيث تكون المسؤوليّات مشتركة أو متداخلة؛
6- في معظم الاتّحادات الفدراليّة الحاليّة، تتوافر طبقتان حكوميّتان يعترف بهما الدّستور –وهما الحكومة المركزية أو الفدراليّة وحكومات الولايات/المقاطعات/الأقاليم عادةً. (وكما ذكرنا سابقاً، في بعض البلدان كالهند والبرازيل، يعترف الدّستور بالحكومات المحليّة على أنّها طبقة حكوميّة ثالثة، مستقلة ومتميّزة.) من هنا، يتواجد تقسيمٌ واضح المعالم للسّلطات والمسؤوليّات بين الطّبقات الحكوميّة. وتميل الحكومات الفدراليّة، كقاعدة عامّة، إلى الاحتفاظ بسلطاتٍ ووظائف حصريّة في المناطق التّالية:
- الأمن القومي
- العلاقات الخارجيّة
- العملة المتداولة/ النّظام النّقدي
- المبادلات الخارجيّة/التّجارة
- المواطنية
- الهجرة، والنّزوح، وتسليم المتّهمين الفارّين
- حماية الملكية الفكرية وحقوق الطّبع
ونسجاً على المنوال نفسه، تملك حكومات الوحدات المكوّنة عادةً صلاحيّاتٍ على المناطق التّالية:
- المحاكم الإقليمية/محاكم العاصمة
- المرافق العامة
- الإدارة وتعزيز قوانين الولاية وبرامجها
- منح الحكومة المركزية إلى الحكومات المحليّة
- الشّرطة، والأمن العام؛ والقانون والنّظام
- البنى التّحتية الخاصّة بالولاية والمحلّة
- الصّحة
- التّربية
ليست اللائحة السّابقة شاملة بأيّ شكلٍ من الأشكال. بالفعل، لا تقدّم العديد من الحكومات الفدرالية لائحةً شاملة بالمسؤوليّات المحدّدة بالنّسبة لمختلف طبقات الحكومة. فكما ذكر مسبقاً، لا يفعل الدّستور الأميركي إلا تعداد صلاحيّات الحكومة الفدراليّة. لذا بإمكان الهيئة التّشريعيّة الفدرالية (الكونغرس) أن تشرّع قوانينها ضمن مناطق صلاحيّاتها المتعدّدة، وضمن أيّ نطاقٍ آخر تختاره أيضاً. من ناحيةٍ أخرى، تملك الولايات القدرة على التّشريع في المناطق التي لم يشغلها الكونغرس بعد، أي حيث ما تزال تحتفظ بالسّلطة المتبقيّة.
في المقابل، يتميّز توزيع السّلطات في كندا بين الطّبقات الحكوميّة بالوضوح التّام. فبسبب عدم توفّر أيّ حكم آخر، تعود كلّ السّلطات التي لم يوزّعها الدّستور إلى طبقة الحكومة الفدرالية، بموجب سلطة "السّلام والنّظام والحكومة الصّالحة". وهكذا، تصبح الحكومة الفدراليّة في كندا مآلاً للسّلطات المتبقيّة، ممّا يضمن أنّ ما من منطقةٍ تبقى خارج نطاق صلاحيّة كلتا طبقتي الحكومة.
رغم ذلك، فإنّ بقية الدّساتير الفدراليّة تذكر لوائح من المسؤوليّات التي تخضع لسلطتين مشتركتين في آن. ففي الهند على سبيل المثال، تندرج التربية ضمن تلك اللائحة المشتركة، ممّا يعني أنّ الحكومة المركزية وحكومة الولاية تملكان كلتاهما الصّلاحية للتّشريع في القضايا المتعلّقة بالتّربية. من هنا، يتعايش في الهند مجلسا التّربية المركزي وذاك التّابع للولاية، إلى جانب المؤسّسات التي تلي المرحلة الثّانوية وتموّلها الحكومة المركزية والولاية أيضاً، مع عمل كلّ منها وفق تفويضٍ تحدّده الطّبقة الحكومية الخاصّة بها.
تسمح السّلطة المشتركة، في الإطارين النّمساوي والألماني، للحكومات الفدرالية بإصدار "تشريعات هيكليّة عامة" في بعض الميادين، مخلّفة المقاطعات كي تهتمّ بالقوانين الأكثر تفصيلاً.
3،4- التّمثيل في المركز
عادةً ما تكون الوحدات المكوّنة في النّظام الفدرالي مبنية على أساس إقليميّ (تشكّل بلجيكا استثناءً مهمّاً- الاطّلاع على فقرة الاتّحادات الفدراليّة غير الإقليمية أدناه). حتّى هذه اللحظة، على الوحدات المكوّنة أن تكون ممثّلة عند المركز. وقد يتّخذ هذا التّمثيل شكل المقاطعات/المناطق/الولايات التي تنتخب عدداً معيّناً من الأعضاء في مجلسٍ تشريعيّ متّحد في نظامٍ فدراليّ- كمجلس الشّيوخ في ولايات المتّحدة، أو الباندسرات في ألمانيا. كما أنّه على الأقاليم/المناطق أن تملك صوتاً وحقّاً في المركز، كي يضمن الاتّحاد الفدرالي احترام الآراء الإقليميّة. بالإضافة إلى ذلك، يساعد هذا في مراقبة الميل العام لدى بعض الدّول التي تتميّز بطبقاتٍ حكوميّة متعدّدة، وبالتّحديد الميل لمطالبة إعادة السّلطة إلى المركز. من شأن مجلس مماثل أن يحول دون انتهاكٍ غير منطقيّ، يقترفه المركز في حقّ السّلطات الإقليمية؛ وهو يستمدّ تفويضه عادةً من دستورٍ خطيّ.
4،4- ضمان الحقوق
تأسّست بعض الاتّحادات الفدراليّة على مبدأ ضمان حقوق الأقليّات القوميّة جميعها. ففي البوسنة والهرسك على سبيل المثال، رغم توافر الأقاليم الصّربية والبوسنيّة والكرواتية، إلا أنّ أيّاً منها لا يعدّ نقيّاً إثنياً. فأوكل إلى الحكومة الفدراليّة مهمّة إنشاء مكتب مأمور المظالم المساءل أمام البرلمان الفدرالي، لضمان احترام حقوق الأقليّات القوميّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا المكتب يعمل عن كثب مع مجلس حقوق الإنسان. وتنصّ المقاربة الأخرى على تسليط الضّوء في الدّستور على مجموعة من الحقوق المدنية الأساسية التي تطبّقها المحاكم. وهذا ما حدث حين قدّمت كندا شرعةً بالحقوق والحريّات عام 1982.
إنّ الاعتراف السّائد بين واضعي السياسات بقلة الدّول المتجانسة من حيث الإثنيات يعني أنّ الاتّجاه واضحٌ نحو تزويد الجماعات بالحماية اللغوية، أو الدّينية، أو الثّقافية الضروريّة. وقد ساد اعتقاد أنّ التّوفيق السياسي بين المجموعات المتنوّعة قد يعزّز الاستقرار السياسي من خلال تقليص استقطابها.
5،4- حالة اللاتناسق
في العديد من الأنظمة الفدراليّة، تعتبر الوحدات المكوّنة متساويةً وتتمتّع بالسّلطات التّشريعيّة نفسها. إلا أنّ دساتير بعض الاتّحادات الفدراليّة تقسم السّلطات بطريقة غير متناسقة، كي تعكس الاختلافات بين وحداتها المكوّنة. وقد تكون هذه الاختلافات إقليمية، أو ديمغرافية، أو لغويّة، أو ثقافية، أو دينية.
الفدرالية غير المتناسقة نوعان. تنصّ المقاربة الأولى على زيادة نفوذ الحكومة الفدرالية في المناطق حيث تكون قدرة الوحدة المكوّنة على ممارسة سلطتها التّشريعيّة أقلّ تقدّماً أو مقوّضة بشكلٍ مؤقّت. في مثل هذه الحالات، قد تتولّى الحكومة الفدرالية زمام الأمور، حتّى تصبح الوحدة المكوّنة في مركزٍ يخوّلها ممارسة سلطتها الخاصّة. تلك كانت الحال في الهند حيث ساعدت الحكومة الفدراليّة، طيلة السّنوات الستّ الأولى من الاتّحاد، بعض الولايات الأقل تطوّراً إلى أن أصبحت قادرة على ممارسة سلطتها التّشريعيّة الخاصّة. أمّا المقاربة الثّانية، والأكثر شيوعاً، نحو الفدرالية غير المتناسقة، فتتضمّن قدرة وحدة مكوّنة أو أكثر على تحمّل استقلاليّة أكثر من غيرها. ولعلّ النّظامين الماليزي والإسباني هما من أبرز الأمثلة على هذه المقاربة.
رغم أنّ ماليزيا تعتمد نظاماً فدرالياً مركزيّاً، إلا أنّها منحت ولايتي "سباه" و"ساراواك" سلطاتٍ تقع عادةً ضمن نطاق الصّلاحية الفدرالية. فحين تتمّ مقارنة كلتا الولايتين ببقية الدّولة، يظهر أنّهما متميّزتان إثنياً. فتتمتّع هاتان الولايتان البورنيتان باستقلاليّة أكبر بكثير من الولايات الإحدى عشرة المتبقيّة، في مجالات مثل الضّرائب (لا سيّما الجمارك والرّسوم)، والهجرة والمواطنية، والتّجارة، والنّقل والمواصلات، وصيد السّمك وغير ذلك من قطاعات الشّؤون الاجتماعية المتعدّدة. بالفعل، يفترض بسكّان الجزء الرّئيس من ماليزيا أن يقدّموا جوازات سفرهم كلّما دخلوا الولايتين البورنيتين، كأنّهم يزورون دولةً أخرى. وتهدف هذه المقاربة إلى حماية المميّزات الخاصّة لكلتا الولايتين ومصالحهما، من خلال تنظيم تدفق سكّان البلاد غير الأصليّين.
في إسبانيا، تتمتّع جماعتا الكاتالان والباسك بسلطاتٍ تفوق سلطات بقيّة الوحدات المكوّنة لما يشكّل فعليّاً، لا رسميّاً، الفدراليّة الإسبانية. فحين تأسّست الدّيمقراطيّة الحديثة في إسبانيا (عام 1978، إثر نهاية حكومة فرانكو)، تلقّت جنسيات الأقليّات "التّاريخيّة" سلطاتٍ أقوى من بقيّة المناطق المنشأة حديثاً في إسبانيا. في الواقع، لم تكن معظم المناطق تملك، في البدء، إدارات للوحدات المكوّنة؛ وهي لم تطوّرها إلا مع مرور الوقت، عبر عمليّة مفاوضة (محدّدة في الدّستور) مع الحكومة المركزيّة. وقد كانت جماعتا الكاتالان والباسك قد تسلّمتا، منذ البداية، زمام التّحكم ببعض الشّؤون كالثّقافة والتّربية، وفي حالة الباسك، بالضّرائب كلّها. وهما الآن تسعيان إلى سلطاتٍ أكبر، ممّا فتح باباً واسعاً أمام نقاشٍ حادّ ولاذع أحياناً في إسبانيا، رغم أنّه يجري وفقاً للقوانين المسالمة والدّيمقراطيّة. (فقد فاوضت معظم الوحدات المكوّنة في إسبانيا من أجل الحصول على تدابير استقلالية، لا تبلغ حجم ما تطلبه جماعتا الباسك والكاتالان).
تشكّل إسبانيا مثالاً مثيراً للاهتمام عن الدّولة التي انبثقت عن نظامٍ عانت فيه الأقليّات الكبت وإنكار الحقوق الثّقافية الأساسيّة والعنف، لتستحيل دولةً تضمن مؤسّساتها حقوق هذه الأقليّات وترعاها من خلال ترتيباتٍ خاصّة.
6،4- الفدرالية غير الإقليمية
كانت بلجيكا الرّائدة في تطبيق شكلٍ عظيم من الفدرالية غير الإقليمية. فتنقسم هذه الدّولة الأوروبية الصّغيرة إلى ثلاث مناطق رئيسة: الفلاندر في الشّمال، والولّون في الجنوب، وبروكسل العاصمة الواقعة ضمن الفلاندر. تملك كلّ منطقة حكومتها الخاصّة، مع وجود حكومة فدراليّة للدّولة بأكملها. ينطق شعب الفلاندر بلغةٍ واحدة هي الفلمنكية، وينطق الولونيّون بالفرنسية، فيما تسود اللغتان في بروكسل. وسعياً من بلجيكا لتوفير خدماتٍ كالتّربية إلى سكّان كلتا المنطقتين وبروكسل، فقد ابتكرت طبقةً حكوميّة هي طبقة "الجماعة". وهكذا، نشأت حكومة الجماعة الفرنكوفونيّة وحكومة الجماعة الفلمنكية اللتان أصبحتا مسؤولتين عن الشّؤون المتعلّقة "بالفرد" حسب البلجيكيّين، كالتّربية والخدمات الاجتماعية والثّقافة والصّحة. وتكون الحكومات الإقليمية مسؤولة عن المسائل المتعلّقة بالإقليم كالمواصلات والتّطوّر الاقتصادي. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أقليّةٍ ناطقة باللغة الألمانية في الولّون الشّرقية، تملك حكومةً جماعية كذلك، وتتعامل مع النّاطقين باللغة الألمانية الذين يعيشون في تلك المنطقة. ويعتبر موقع الجماعة الألمانية جزءاً من منطقة الولّون، لأهدافٍ إقليمية.
إنّ النّموذج البلجيكي مزيجٌ معقّد من العناصر الإقليمية وغير الإقليمية (للجماعة). ففي حال طبّقت بلجيكا مبدأ الجماعة اللغوية بطريقةٍ متجانسة، فإنّ أفراد الأقلية الفرنكوفونية في الفلاندر، والأقلية الفلمنكية في الولّون، سيشكّلون جزءاً من جماعاتهم اللغويّة الخاصّة بكلّ منهم. لكنّ تلك ليست بالحالة السائدة. فتملك حكومة الجماعة الفرنكوفونيّة مسؤوليّة تجاه النّاطقين بالفرنسيّة في بروكسل والولّون فقط، لا أولئك المتواجدين في الفلاندر. وينطبق المبدأ نفسه على الفلمنكيّين. أمّا أسباب هذه "القيود" التي تحدّ من مدى حكومات الجماعات اللّغوية، فسياسيةٌ محليّة ومعقّدة. رغم ذلك، فإنّ مفهوم بلجيكا لحكومة "الجماعة" يبقى نموذجاً مفيداً لمن يسعى إلى التّوفيق بين المجموعات الثّقافية غير المركّزة جغرافياً.
تستخدم دولٌ أخرى هذه التّدابير كحقوق لغويّة محدّدة دستورياً، إلى جانب اعتمادها على الفدرالية المبنية إقليمياً، بهدف ضمان حقوق أفراد المجموعات الثّقافية الذين قد يشكّلون جزءاً من الأكثريّة في منطقة، لكنّهم أقليّة في منطقةٍ أخرى.
7،4- الانفصاليّة
يشير عدّة مراقبين إلى عجز البنى الفدراليّة عن إحراز النّجاح التّام في ما يتعلّق بإلغاء الدّوافع الانفصاليّة. فقد مرّت كندا باستفتاءين يستطلعان الآراء حول الانفصال، في مقاطعة الكيبك النّاطقة بالفرنسيّة (وهي المقاطعة الكندية الثّانية من حيث المساحة، وموطن 25% من السّكان). ولعلّ الفدراليّة قد قدّمت للكيبك الهيكلية المناسبة للسّيطرة على هذه الأصوات. غير أنّ النّظام الدّيمقراطي الدّستوري قد أتاح أيضاً نقاشاً حول انفصالٍ مقترح يجري بطريقةٍ سلمية وقانونية. رغم ذلك، فإنّ النّظام الفدرالي لا يضمن أنّ كلّ عضوٍ من المجموعات "القوميّة" سيكون راضياً ومقتنعاً تماماً على الدّوام. فهو يهيّء الظّروف المناسبة لمناقشة الخلافات وحلّها، دونما اللّجوء إلى العنف أو التّهديدات بالعنف. وعندما اعتمد الإثيوبيّون اتّحادهم الفدراليّ الحديث والمتعدّد القوميّات، إثر فترةٍ طويلة من ديكتاتوريّة الحزب الواحد وسلسلة من الحروب الأهليّة، فقد حرصوا على إدراج بنود شرطيّة في الدّستور الجديد حول الحقّ القانوني بالانفصال. وقد كانت حجّتهم أنّ الفدراليّة هي شراكة مستندة إلى ميثاقٍ طوعيّ، وليست سجناً.
بفضل السّلطة التّشاركية أو الاستقلالية المتزايدة للأقاليم، تكتسب المجموعات المتميّزة ثقةً أكبر في قدرتها على حماية تميّزها. فإذا تمّ تطبيق الفدراليّة بطريقةٍ ديمقراطيّة فعليّة، فإنّها، بعيداً عن تسبّبها بالانفصال، تستطيع أن تقدّم المساحة السياسية المطلوبة لضمان الاستقلالية الإقليمية الحقّة.
8،4- غياب التّغييرات الأحادية الجانب، وتواجد "الحَكَم المرجع"
يُعتبر الدّستور الفدرالي اتّفاقاً أو ميثاقاً بين المركز والأقاليم/المقاطعات؛ وبالتّالي تتطلّب التّعديلات موافقة المركز وعددٍ محدّد من الأقاليم/المقاطعات. من هنا، تتطلّب أشكال الحكومة الفدراليّة تشاركاً في السّلطة لا يحتمل التّعديل أو الانسحاب من جانبٍ واحد.
لا يخلو الأمر، في أيّة دولة تعمل فيها حكومات الولايات أو المقاطعات إلى جانب حكومة مركزيّة، من حالاتٍ تصدر فيها طبقاتٌ حكومية مختلفة قوانينَ متعارضة أو متنازعة. لذا على كلّ اتّحادٍ فدراليّ أن يجد سبيلاً كي يحلّ هذه القوانين المتناقضة. في مثل هذه الحالات، غالباً ما تكون السّلطة القضائية هي الحكم المرجع. وحين تجد محكمة الاستئناف العليا في دولةٍ فدراليّة أنّ قانوناً ما قد انتهك تقسيم السّلطات الدّستوريّ، فمن الضّروريّ أن يُلغى هذا القانون، أو يُبطل، طبقاً للأسس الفدرالية. ولمّا كان كلّ دستورٍ فدراليّ، فعليّاً، يعدّد نطاقات الصلاحيّات بدون تحديد النّشاطات التي تتعلّق بكلّ نطاق، فإنّ درجةً من الشّك والتّعارض تكتنف شرعيّة القوانين التي تصدرها الطّبقات الحكوميّة المختلفة.
يتوجّب على المحاكم أداء دور إضافيّ كحكمٍ مرجع، في الاتّحادات الفدراليّة التي تمتاز بحقولٍ خاضعةٍ لصلاحيّاتٍ مشتركة. ففي مثل هذه الدّول، يتمّ رفع القضايا بانتظام أمام المحاكم التي تسلّط الضّوء على التّعارض الواضح بين القانونين الملزمين، مع العلم أنّ كلاً منهما قد صدر عن طبقةٍ حكوميّة مستقلّة. من هنا، على الدّساتير التي ترسي قواعد الصّلاحيات المشتركة أن تقدّم قانوناً يمكن أن تلجأ إليه المحاكم عند حلّ نزاعاتٍ مماثلة. ففي كندا على سبيل المثال، يُعرف هذا القانون بمبدأ السّلطة العليا الفدرالية. وبموجب هذا المبدأ، حين يغطّي القانونان الفدرالي والإقليمي مواضيع مشابهة، مع وقوعهما في موقع تنازع، فإنّ مفعول القانون المركزي هو الذي يسري (ضمن نطاق النّزاع)، مع تعطيل عمل القانون الإقليمي؛ لا بل إنّ هذا الأخير لا يصبح ملزِماً طالما أنّ القانون المركزي أو الفدرالي موجودٌ.
9،4- تضافر جهود الطّبقات الحكومية
في الأنظمة الفدراليّة، ترتبط الوحدات المركزية والمكوّنة عبر علاقةٍ سياسية مبنية على الاتّكال المتبادل. نتيجةً لذلك، فمن المصلحة المشتركة بين أصحاب المنفعة جميعهم أن تجد الطّبقات الحكومية سبلاً لحلّ خلافاتها، بأساليب تقتضي تواجهاً أقل. وتعتبر الحكومات عادةً أنّ الطّريقة الفضلى لخدمة مصالحها الجماعية تتأتّى عن الحلول التّعاونية، من خلال القنوات الحكوميّة الدّوليّة. وتعتمد طبيعة التّعاون الحكومي الدّولي ونطاقه، في الاتّحادات الفدراليّة، على مجموعة متنوّعة من العوامل. ففي ألمانيا مثلاً، يقع على عاتق كلّ حزب واجبٌ قانونيّ، يفرض عليه أن يكون موالياً للفدرالية، ومتعاوناً بما يخدم مصالح الفدراليّة. وفي بعض الأحيان، تواجه الدّول التي تعاني انشقاقاتٍ لغويّة وإثنية عميقة، بالتّزامن مع بعض القيود القضائيّة، صعوبةً في تأمين علاقاتٍ حكوميّة دوليّة متجانسة، أكثر من الدّول التي لا تتزامن قيودها القضائية مع انشقاقاتها الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، لا شكّ في أنّ طريقة تقسيم السّلطة على الفروع الحكومية، ضمن كلّ طبقة، تؤدّي دوراً مهمّاً في تشكيل طابع العلاقات الحكوميّة الدّوليّة. ففي الأنظمة البرلمانية، كذلك الذي تعتمده كندا، عادةً ما يكون أعضاء السّلطة التّنفيذيّة، في الطّبقة الفدراليّة والوحدات المكوّنة، قادرين على إلزام الهيئة التّشريعيّة الخاصّة بكلّ منهم بالاتّفاقات المبرمة على المستوى التّنفيذي.
يمكن إدارة العلاقات الحكوميّة الدّوليّة من خلال التّرتيبات الرّسمية وغير الرّسمية على السّواء. في هذا السياق، تبرز الحالة الكندية كمثالٍ عن كلتا المقاربتين. فقد يسمح نفوذ أعضاء السّلطة التّنفيذيّة، في الطّبقتين الحكوميتين الكنديتين، أن يتوصّل هؤلاء غالباً إلى اتّفاقياتٍ، من خلال الرّوابط الشّخصية وغير الرّسمية بين رؤسائهم. أمّا الطّريقة الرّسمية لإدارة العلاقات الحكومية الدّولية في كندا، فتتمّ عبر مؤسّسة مؤتمر الوزراء الأوّل. فلعلّ هذه المؤتمرات هي المنتدى الأهمّ للتّوصّل إلى الاتّفاقيات الحكوميّة الدّوليّة حول سلسلةٍ واسعة من المواضيع. صحيحٌ أنّ هذه المؤتمرات غالباً ما تنعقد في إطارٍ غير رسميّ، إلا أنّها منظّمة بطريقةٍ تجمع رئيسي الحكومتين، من كلتا الطّبقتين الحكوميتين، كي يتمكّن كلّ فريقٍ من تقديم المعلومات وتلقّيها، فالمفاوضة والإقناع. غير أنّ هذه الاجتماعات لا تلزم أيّ فريقٍ، وهي لا تشكّل، بأيّ طريقةٍ من الطّرق، هيئةً تشريعية عليا. عوضاً عن ذلك، تراها مصمّمة لتحديد محيط التّوفيق بين حاجات الحكومات المختلفة حول مواضيع محدّدة. بالفعل، فقد جاء في كلام محكمة كندا العليا:
"تتكوّن الأمّة حين تلتزم بها الجماعات التي تؤلّفها، فتمسك عن خياراتها وتضيّع فرصها لمصلحة الأمّة... وحين تقوم الجماعات التي تؤلّفها بتسوياتٍ، وتقدّم ضماناتٍ لبعضها البعض، وتجري تنازلات، والأهمّ حين تتلقى فوائد التّضامن الوطني من البقية. من هنا، فإنّ خيوط الآلاف من أفعال التّوفيق تشكّل نسيج الأمّة."
صحيحٌ أنّ النّزاع والتّوتّر يكتنفان العلاقات الحكوميّة الدّوليّة في بعض الأحيان. إلا أنّه من الأسهل عامةً التّوصل إلى الاتّفاقيات عندما تؤيّد الفرق كلّها حكم القانون، وتلتزم التزاماً صادقاً بالتّوفيق بين المجموعات المتنوّعة.
10،4- فرض الضّرائب والإنفاق العام
لا تستطيع الوحدات المكوّنة ممارسة استقلالها السياسيّ إلا إن كانت مستقلة ماليّاً. فالاستقلال الماليّ هو الذي يسمح للولايات والأقاليم بتطبيق برامجها المتميّزة في حقول مسؤوليّتها الخاصّة، حتّى حين تنحرف هذه الأخيرة عن سياسات الحكومة الفدراليّة. ويترافق تقسيم السّلطات في الاتّحادات الفدراليّة مع قدرة كلّ طبقة حكوميّة على جمع ثرواتها الخاصّة. فتتضمّن أدوات هذه الاستقلاليّة الماليّة جمع ضرائب المداخيل الخاصّة والمشتركة، والضّرائب على الملكيّات، وعائدات ملكية الموارد العامة. كما تسمح بعض الدّساتير للوحدات المكوّنة بجمع الأموال عن طريق خوض أسواق رأس المال الوطنيّة والعالميّة. وعادة ما يحافظ الدّستور على احترام الاستقلاليّة الماليّة، فلا يمكن أن تلغيها الحكومة الفدراليّة من جانبٍ واحد.
يطرح كلّ اتّحادٍ فدراليّ قضايا مهمّة حول الشّؤون الماليّة، لا سيّما كيفيّة جمع المال والتّشارك فيه وإنفاقه. ففي كندا مثلاً، تملك المقاطعات الموارد، ممّا يعود بكسبٍ مفاجىء على حكومات المقاطعات المختلفة. وفي نيجيريا، تنسب الحكومة المركزية إلى نفسها الحقّ بعائدات النّفط كلّها، وما تلبث أن تقسّمها وفقاً للصّيغة المتّفق عليها. وقد اضطرت الوحدات المكوّنة، مؤخّراً، في العديد من أنحاء العالم، لتولّي مسؤوليّاتٍ إضافيّة في قطاعاتٍ تشهد نموّاً سريعاً، كالصّحة والتّربية. من هنا، فقد دار نقاشٌ واسع حول كيفيّة تصحيح اختلال التّوازن النّاتج عن عدم إيفاء التّرتيبات الماليّة الرّاهنة بالحاجات المالية للوحدات المكوّنة. نتيجةً لذلك، تمّ استخلاص طريقتين لمعالجة التّفاوتات الماليّة، وهما:
التّوازن العمودي
يختلّ التّوازن العمودي عند وقوع تفاوت بين مسؤوليّات الحكومة الفدراليّة وحكومات الوحدات المكوّنة تجاه الإنفاق المحدّد دستوريّاً من جهة، وقدرتها على جمع الدّخل المناسب من جهةٍ أخرى. وقد يختلّ هذا التّوازن إمّا بسبب تغييراتٍ غير متوقّعة في أنظمة فرض الضّرائب أو الإنفاق، وإمّا لأنّ تكلفة المسؤوليّات الملقاة على عاتق إحدى الطّبقات الحكوميّة قد ارتفعت بشكلٍ غير متجانس مع الوقت – كتكلفة التّربية أو الخدمات الاجتماعية، وهما قطاعان تتوّلاهما حكومات الوحدات المكوّنة تاريخيّاً. أمّا تعديل هذا التّوازن، فيتمّ من خلال ترتيبات التّشارك في الضّريبة بين مختلف الطّبقات الحكوميّة، أو عبر المنح (سواء كانت المنح الضّخمة أو تلك المخصّصة لأهدافٍ محدّدة). لكن في غياب الإرشادات الواضحة التي تحكم إنفاق المنح في العديد من الدّول، فقد بات الأمر عرضةً للنّقاش السياسيّ. وقد اعتادت المقاطعات الفرديّة أن تحضّر موازناتها بشكلٍ منفصل، ثمّ تحاول التّوصل إلى اتّفاقيات حول توزيع الحصص، في سياق اجتماعاتٍ منظّمة يشارك فيها المسؤولون عن الخزينة أو الوزراء.
التّوازن الأفقي
يختلّ التّوازن الأفقي حين تتفاوت إمكانيّات الدّخل بين الوحدات المكوّنة، كأن يحدث تفاوتٌ في مستوى الخدمات التي تقدّمها لمواطنيها. من أجل تصحيح هذا الخلل في كندا، لجأت الحكومة الفدرالية إلى دفع حوالاتٍ ماليّة إلى المقاطعات من دون قيدٍ أو شرط، وفقاً لصيغةٍ معدّلة من وقتٍ إلى آخر، وهادفة إلى جعل إمكانيّات مداخيلها متساوية. في المقابل، تبرز أستراليا كمثالٍ مغاير، خاصّة وأنّها تقطع أشواطاً بعيدة بغية تحقيق المساواة بين أشكال الدّخل والإنفاق. من جهتها، لا تملك الولايات المتّحدة نظام مساواةٍ رسمي، بالرّغم من التّفاوتات العظيمة ما بين ولاياتها.
إنّ قضيّة دفع الحوالات الماليّة الخاضعة لشروطٍ أو أهدافٍ معيّنة مثيرةٌ للجدل. فستقدم الحكومات الفدرالية أحياناً على دفع هذه الحوالات لتمويل برامج إقليمية محدّدة، تقويماً منها لعجزٍ في التّمويل الإقليمي. غير أنّ هذه الحوالات التي تفرض تشاركاً في التّكاليف لا تخلو من شروطٍ، ممّا يجعلها أقل رواجاً، لا سيّما وأنّها توهن الاستقلاليّة الإقليميّة وتعكس تدخلاً فدرالياً في الحقول الخاضعة للصلاحيّة الإقليميّة. ومع أنّ هذه البرامج تساعد المقاطعات، في نهاية الأمر، على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الإنفاق، أو زيادة المساواة بين المناطق والمجموعات الاجتماعية، إلا أنّ استمراريّة هذه البرامج تعتمد على مدى التّوصل إلى إجماع حول طبيعة التّمويل بين الطّبقات الحكوميّة. وعادةً ما يتطلّب تقسيم السّلطة الفدرالي تعاوناً بين مختلف الطّبقات الحكوميّة في ما يتعلّق بنطاق الصّلاحيّات. ورغم أنّ هذا الأخير يخضع للصّلاحية التّشريعية لطبقةٍ حكومية واحدة، إلا أنّه يتضمّن التّأكيد على حاجاتٍ اجتماعية تتطلّب حلولاً شاملة وقوميّة النّطاق.
5- الخاتمة، مع بعض الأسئلة المتعلّقة بالموضوع Conclusion, with a
few pertinent questions
يمكن للفدراليّة أن تؤمّن وسيلةً عادلة وفعّالة لدولٍ كالفيليبين، وأندونيسيا، وأفغانستان، والسّودان، وسريلنكا، كي توفّق بين حاجات أقليّاتها الفريدة من نوعها. وقد أصبح أفراد الأقليّات في الدّول الأخرى يعتقدون أنّ الفدراليّة تمنحهم المرونة اللازمة، برأيهم، كي يطوّروا سياساتهم الخاصّة ويطّبقوها في حقولٍ كالتّربية والثّقافة والخدمات الاجتماعية والتّطوّر الاقتصادي وغير ذلك. تجدر الإشارة إلى أنّ حدود الوحدات المكوّنة تُرسم عادةً بطريقةٍ تصبح فيها الأقليّة على المستوى الوطني أكثريّةً ضمن وحدةٍ مكوّنة أو أكثر. ففي إسبانيا، على سبيل المثال، تُعتبر جماعة كاتالونيا المستقلة موطناً للأقليّة الكاتالنية في الدّولة. ونسجاً على المنوال نفسه، رغم أنّ الكنديّين النّاطقين باللغة الفرنسية هم أقليّة لغوية وإثنية في كندا ككلّ، إلا أنّهم يشكّلون الأكثريّة الأساسية من سكّان إقليم الكيبك. وكما ناقشنا سابقاً، على العديد من الاتّحادات الفدرالية أن تتعامل وقضيّة الأقليّات الواقعة ضمن وحداتها المكوّنة. ففي الهند مثلاً، وبالتّحديد في ولاية "آسام"، حيث الآسامية هي اللغة الرّسمية، لا تشكّل جماعة "آهوم" إلا 28% من إجمالي السكّان، إلى جانب مجموعات لغوية كبيرة أخرى في الولاية نفسها، كالبنغال والبودوس اللتين ينطق كلٌّ منهما بلغته المتميّزة.
يستلزم بناء المؤسّسات في فترة ما بعد النّزاعات، ضمن المجتمعات المتعدّدة الإثنيات، أن تنتقل الدّولة إلى النّظام الدّيمقراطي، وتتصالح المجموعات الإثنية التي عرفت تاريخاً حديثاً من العداوة المتبادلة. ويتطلّب هذا حماية حقوق الأقليّات بناءً على الأسس الإقليمية وغير الإقليمية أيضاً. لذا فإنّ النّظام الفدرالي مرنٌ بما فيه الكفاية كي يتيح ذلك.
تمثّل الفدراليّة أحد الخيارات التي قد تسعى الدّول إلى اعتمادها من أجل إدارة التّنوع الإثني. لكن بغضّ النّظر عن أيّة بنية قد تتطوّر، فعلى واضعي السياسات أن يدرسوا مجموعة من القضايا، بالنّظر إلى شكلها. وهم يحتاجون، بصورةٍ عامة، إلى توضيع العلاقة بين الوحدات المكوّنة (أو الشّعوب) من ناحية، والعلاقة بين الحكومة الوطنية والوحدات المكوّنة من ناحية أخرى. ومع أنّ الأسئلة التّالية ليست شاملة بأيّ شكلٍ من الأشكال، إلا أنّها تغطيّ الكثير من المسائل الأساسية التي يجب حلّها عند إنشاء المؤسّسات الهادفة إلى التّوفيق بين التّنوع الإثني:
- ممّا أو ممّن ستتشكّل الوحدات المكوّنة/السّكان؟ ما هو عددها المطلوب، وعلى أيّ أساس يجب تعيين حدودها؟ مثلاً: كيف تعيّن الولاية حدود ما يشكّل مجموعةً إثنية، أو هل ستضمّ البنية الفدرالية ثماني عشرة وحدة، أم خمس، أم ثلاث، أو اثنتين؟
- كيف سيتمّ توزيع السّلطات والمسؤوليّات بالنّسبة للوحدات والمركز؟ هل ستتوزّع السّلطة وفقاً للائحتين أو ثلاث، بما في ذلك لائحة السّلطات المشتركة؟
- أيّ السلطات ستكون حصرية؟ وأيّها مشتركة؟ بيد من ستكمن السّلطة المتبقيّة؛ وأيّ طبقةٍ حكومية ستتمتّع بالسّلطة العليا في المناطق الخاضعة للصّلاحية المشتركة؟
- هل من بنودٍ شرطيّة متعلّقة بالوحدات المكوّنة كي تتولّى سلطةً أكثر أو أقل، وفقاً لرغباتها وحاجاتها؛ وهل من بنودٍ شرطيّة مرتبطة بترتيبات اللاتناسق (مثلاً، هل ستتمتّع وحدة مكوّنة بسلطة تفوق سلطات غيرها، كإقليم كاتالونيا في إسبانيا، أو اسكتلندا مقارنةً بويلز في المملكة المتّحدة)؟
- كيف ينعكس المبدأ الفدرالي، أو مبدأ التّشارك في السّلطة، على المؤسّسات السياسيّة المركزيّة، بشكلٍ يجعلها وطنيّة فعلاً بالتّعارض مع مركزيّتها؟ (مثلاً: النّظام الانتخابي، التّمثيل في مؤسّسات كالمحاكم، والخدمات العامّة، والقوى المسلّحة، والشّرطة)؟
- ما هي آليات تأمين التّمثيل الإقليمي في المركز؟ أسيكون من مجلس أعلى؟ كيف سيتشكّل وما هي السّلطات والمسؤوليّات التي سيتمتّع بها؟
- أيجب أن يتمّ الاعتراف بطبقةٍ حكومية ثالثة؟ أيمكن أن تُطبّق ترتيبات مؤسّساتية لخدمة حاجات الجماعات على أساس غير إقليمي؟
- ما هي البنود الشّرطية التي سيتمّ إدراجها بالنّسبة للأقليّات على الصّعيدين الإقليمي والوطني؟
- كيف ستتمّ صياغة الفصل حول الحقوق الأساسيّة/قانون الأفراد؟ ما هي الآليّات التي ستُستخدم لفرض الحقوق/حمايتها؟
- كيف يمكن تحديد الحقوق اللّغوية وحمايتها؟ أيّ البنود الشّرطية المتعلّقة باللغات تنطبق على الشّرطة، والقوّات المسلّحة، والخدمات العامّة على الصّعيدين الوطني والإقليمي؟ كيف تنعكس حقوق اللغات في المؤسّسات التّربويّة، والمحاكم إلخ...؟
- أقد يحتوي دستورٌ جديد على بنودٍ شرطيّة للمؤسّسات التي يرسيها الدّستور، من أجل تقديم الخدمات للأقليّات الإثنية، أو اللغوية، أو الدّينية؟
- ما هو نوع المحاكم الدّستوريّة التي سيتمّ إنشاؤها؟ كيف سيتمّ اختيارها (بطريقةٍ تضمن تمثيل كلّ المناطق والمجموعات واحترامها)؟ كيف ستسير الإحالات إلى المحكمة؟ هل ستتمتّع المحاكم بالسّلطة القضائيّة النّهائيّة بالنّظر إلى حقوق المواطنين الأساسيّة وحقوقهم اللغوية أيضاً؟
- أيّ نوعٍ من التّدابير الماليّة سيُطبّق؟ مثلاً، هل سيجمع المركز الضّرائب كلّها ثمّ يعيد توزيعها وفقاً للصّيغة المتّفق عليها؟ أم أنّ الطّبقات الحكومية كافةً ستجمع الضّرائب؟ هل سيكون حقّ الوصول إلى مختلف أنواع الضّرائب تفاضلياً؟ أيّ نوعٍ من التّساوي سيسود بين البنود الشّرطية؟
- هل سيشكّل البيان الأساسي "للجنة الفدراليّة" جزءاً لا يتجزّأ من الدّستور، فيكون أشبه "بمبدأ الحكومة التّعاونية" المتّفق عليه؟
- كيف سيتمّ تعريف عمليّة التّعديل بطريقةٍ تؤمّن دوراً حاسماً للمركز والوحدات المكوّنة معاً؟
- كيف سيتمّ التّصديق على بنيةٍ فدراليّة جديدة؟ ما هو نوع الاستشارة والمشاركة المدنية الذي سيتوفّر خلال التّصديق على دستورٍ جديد؟
- كيف ستضمن الأحزاب دعم بعض أعضاء من الشّعب للاتّفاقيات المتنامية التي يتمّ التّفاوض بشأنها؟ ما هي مكانة الأحزاب السياسية والمواطنين في عمليّة المفاوضات وأدوارهم المتوقّعة؟
قراءاتٍ مقترحة